رمضان" في الرواية العربية .. احتفالية ثقافية وطقوس اجتماعية
والأبرز "في بيتنا رجل" لإحسان عبد القدوس
قليلة هي الاعمال الادبية العربية التي تناولت في احداثها شهر رمضان المبارك سواء في صلب الحدث الروائي او الخلفية للمواقف والحوارات التي تجري في خضمها القصة او الرواية.
واذا كانت رواية احسان عبد القدوس "في بيتنا رجل" هي الأبرز والاشهر بسبب تحويلها الى فيلم سينمائي بطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت ومسلسل تلفزيوني، فان هناك بعض الأعمال التي لم تحظ بالشهرة ذاتها مثل رواية "خان الخليلي" للكاتب نجيب محفوظ ورواية "الرهينة" للكاتب زيد مطيع دماج، ورواية الكاتب محمد جبريل التي حملت عنوان "مد الموج".
وفي هذا المجال يقول الكاتب منير عتيبة: "تستغرق الرواية عادةً مساحة زمنية كبيرة تعتبر بمثابة" الأرضية الزمنية" التي تقف عليها الرواية ، أو "الشريان الزمني" الذي تجري فيه دماء أحداث الرواية: ولذا فمن الصعب على كاتب رواية تجاهل المناسبات الزمنية الهامة التي يعيشها مجتمع روايته بما فيها من مواسم وأعياد ومناسبات دينية أو وطنية ، فيشير الكاتب إلى هذه المناسبات أو يقف عند بعضها قليلاً أو طويلاً حسب موضوع روايته.
من هنا ، فكثيرًا ما نجد "شهر رمضان المبارك" يحتل مكانًا مرموقًا في عدد كبير من الروايات العربية.. بل إن بعض الروايات تدور أحداثها بالكامل خلال شهر رمضان مثل رواية إحسان عبد القدوس الشهيرة "في بيتنا رجل".
ويضيف الكاتب عتيبة: رمضان في الرواية العربية وسيلة جيدة لوصف الحياة الاجتماعية، والفروق بين طبقات المجتمع من خلال وصف الفرق بين عاداتهم في رمضان، فرغم عمومية مظاهر الاحتفال الاجتماعي بالشهر الكريم: فإن لكل طبقة ـ اجتماعية أو مهنية ـ خصائص مختلفة في بعض تفاصيل هذا الاحتفال..
كما أن تعامل شخصيات الرواية مع رمضان يلقي ضوءًا باهرًا على طبيعة الشخصية، فهو شهر الشفافية والصفاء والسمو النفسي ، فوصف الشخصية وتصرفاتها في أيام وليالي رمضان يبين الفرق بين الشخصية المتدينة الجادة ، والشخصية الغليظة أو المستهترة أو اللامبالية.
هذا بالإضافة إلى الطابع "الكرنفالي الشعبي" في عيد مستمر لمدة شهر كامل، والطابع "الأنثروبولوجي" في حالة ما إذا كانت أحداث الرواية تدور في الماضي البعيد أو القريب، وهو أمر يغري القلم بالحديث والاسترسال، ويجعل الخواطر والمشاعر تتدفق على ذهن الروائي أو الشخصية الروائية.
ومن أبرز الاعمال التي تناولت شهر رمضان كما قلنا لا نجد سوى اربعة اعمال فقط هي "خان الخليلي" و"مد الموج" و "الرهينة".
فإذا كان شهر رمضان خلفية لرواية "في بيتنا رجل" فإنه "شخصية فاعلة" في رواية "خان الخليلي" لأن كثيرًا من الأحداث، والتفاعل بين الشخصيات وبعضها، وبينها وبين المكان واللحظة الزمنية الروائية ما كان ليتم بالشكل الذي جرى في الرواية في غير رمضان، في "جو رمضان" في مدينة القاهرة في أثناء الحرب العالمية الثانية هذا هو الإطار الزمني الذي تتحرك فيه الرواية.
أما الكاتب اليمني زيد مطيع دماج فيقدم في رواية "الرهينة" ما يمكن أن يكون "بانوراما" متكاملة لشهر رمضان في اليمن في الأربعينيات من القرن العشرين.
فهو يقارن بين طقوس الاحتفال برمضان في القرية والمدينة، ولدى الفقراء والجنود والأمراء ، ولدى الرجال والنساء.
وفي"مد الموج" لا ينسى الكاتب المصري "محمد جبريل" شهر رمضان.. و"مد الموج" عمل متميز: لأنه يقع في منطقة وسطى ما بين الرواية والسيرة الذاتية ، أو لكي أكون أكثر دقة فإن هذا العمل هو ناتج حوار جدلي إيجابي بين مكونات وأسس بناء العمل الروائي وأدب السيرة الذاتية.
في "مد الموج" يتعرض "محمد جبريل" لرمضان من خلال ذكريات الطفولة ، فيصف ألعاب أطفال الإسكندرية في رمضان منتصف الأربعينيات.
ويصف محمد جبريل ليلة الرؤية قائلاً: "وجاء مساء الرؤية" وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشاء أضاءت مئذنة مسجد الحسين إيذانًا بشهود الرؤية ـ وقد اجتزؤوا بالإضاءة عن إطلاق المدافع لظروف الطوارئ ـ وازينت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياء لألاء، فطاف بالحي وما حوله جماعات مطبلة هاتفة"صيام صيام كما أمر قاضي الإسلام" فقابلتها الغلمان بالهتاف والبنات بالزغاريد ، وشاع السرور في الحي كأنما حمله الهواء الساري.
وعلى لسان بطل رواية "الرهينة" يصف زيد مطيع دماج رمضان في قرية في حضن الجبل قائلا:"ننتشي لسماع آيات القرآن الكريم.
نحفظها على ضوء سراج زيتي ذي ذبائل قطنية حارقة".. وفي قلعة الرهائن "كان رمضان بالنسبة إلى العساكر ورئيسهم والفقيه المعلم أيضًا رتيبًا.. فبعد الفرجة على مدافع رمضان التي تطلق من جوارنا ، كنا نتناول طعام الإفطار ثم نهجع ونستكين فترة ونخلد للنوم لنقوم باللعب في الصباح".
ويشير محمد جبريل إلى "شقاوة أطفال الإسكندرية في رمضان.." كان يقودنا في حمل الفوانيس.. نسعى بها بعد صلاة التراويح.